السماء تمطر رجالاً
كلنا تابعنا الأحداث الحالية وما أنتجه مرض الكورونا من زعر للعالم أجمع, وأصبح هناك وباء حقيقي يهددنا ويهدد صحتنا وبقائنا على الكوكب, ولكن أيضاً هل بقائنا مرتبط فقط بمرض الكورونا أم له جوانب أخرى؟
على مر السنين كانت الأوبئة هي مصدر لأكتشاف أنفسنا من جديد, فمثلاً بعد اكتشاف الأنسان الميكروبيولوجيا، حيث بدأت دراسة الخلية والفيروس والبكتيريا والميكروبات والتكنولوجية تم إعادة اكتشاف لما كان يسمّى منذ أفلاطون "العالم المحسوس" من خلال سياسة جديدة للمرئي واللامرئي، حيث أن اللامرئى مثل الفيروس الذي أثبت بأنّ قصة "آدم" المخلوق على صورة الله التوحيدي قد تزعزعت أو فقدت شيئا من حبكتها السردية: أنّ البشر مجرّد مساحة بكتيرية أو فيروسية عابرة للأجسام الحيوانية، وليست صورة إلهية مطبوعة.
من أجل ذلك نحن اليوم لا يمكننا أن نفهم فيروس الكورونا الذي يهدّد باجتياح العالم ألا عندما نفهم أنفسنا أولاً, وذلك يعيدنا الى هل فيرس كورونا قادر على أنهاء حياتنا أو تهديدنا على الاقل, أم أن أنانيتنا وزعرنا قادران على القيام بأكثر من ذلك؟ الأنانية من البشر هي معضلة حقيقية على مر السنين, فبحسب الكثير من الفلاسفة يعتبر الإنسان في طبيعته أنانياً ويبحث عن مصلحته, وهذا ما يسمى "بالأنانية الأخلاقية" وهي أن كل شخص يسعى إلى مصلحته الذاتية هو أفضل وسيلة لتعزيز الصالح العام كما قال أدم سميث أنه عندما يسعى الأفراد بمفردهم إلى "إشباع رغباتهم الخاصة والنهائية" ، فإنهم عن غير قصد ، كما لو كان يقودهم يد غير مرئية، يفيد المجتمع ككل. تأتي هذه النتيجة السعيدة لأن الناس عمومًا هم أفضل القضاة لما يصب في مصلحتهم ، وهم أكثر تحفيزًا للعمل الجاد لتحقيق الفائدة من تحقيق أي هدف آخر.
ولكن هذا النوع الأول من الأنانية وهو شئ ايجابي مثل أن تظل في البيت, فهذا يساعدك لتجنب الوباء ويعود على المجتمع ككل بما أنك فرد فيه, ولكن النوع الثاني وهو تبني وجهة النظر الأولى مصحوبة بقدر أكبر من التشدد والغلو في التزام المصلحة الذاتية, وهذا ما يمكن أن يطلق عليه اسم "جنون الأنانية" مثل شراء كل ما هو متوفر في المتاجر بدون الحاجة لهذه الأشياء فقط لحماية أنفسنا من خطر غير موجود بدون التفكير في حق الأخر الذي يريد الشراء مثلك تماماً, وهو ما يمكن أن يؤدي الى عواقب أكثر, وغير ذلك من أستغلال التجار للأزمة بأي شكل من الأشكال.
فما علينا الأن سوى أن نتأمل أنفسنا وأفعالنا, وأن ندرك أننا نقطة من المحيط وحين نتكلم عن أنفسنا يجب علينا أن نفكر كمحيط وليس كمجرد نقطة بداخلها فما يصيبه يصيبنا جميعاً, ولا ننتظر أن تمطر السماء رجالاً تخلصنا مما نحن فيه فلن ينقذنا "المخلص" قبل أن ندرك أنه بداخلنا.
تعليقات
إرسال تعليق