هل لا تزال تحكمنا ثقافة تنميط صفاتنا الجنسية؟
دعاني صديقي للعب الكرة معه بالنادي "لأنها بالطبع لعبة الرجال" واصطحبني إلى هناك حتى غرفة تبديل الملابس وأثناء ما نقوم بالاستعداد للعب دخل علينا شخص يبدو أنه يعرف صديقي لذلك تبادلا التحية، بدأ في تغيير ملابسه هو الآخر لتنهال عليه النكات ووصفه "بـ الفأر المبلول" لنحالته، حتى أن شخصاً ما في الغرفة شكك في قدرته الجسدية على القيام بفعل أي شئ على الإطلاق، ففي صورتنا الذكورية عن الرجل أن يكون مفتول العضلات أقرب لما تصدره لنا الشاشات، قادر على إنقاذ البطلة في آخر الفيلم وإنقاذ شباك التذاكر بعد الفيلم دون أن يتحرك شعره المُثبت، مما جعلني أتسأل هل حقاً نعيش في مجتمع يقوم في أساسه على التنميط دون أن يشعر؟ أم أننا تحولنا لآلة تصدر أحكامها على جنس الإنسان ذكراً كان أو أنثى؟بات هذا الوصف الذي سبب إحراجاً كبيراً للشاب ، وأشياء أخرى كانت تمر أمامي دون أن أشعر أنها مُسيئة و تضع معايير ثابتة لجنس الإنسان يجب على الكل اتباعها.
كيف تناول الفن صفات الذكر والأنثى؟
الفن بطبيعة الحال يكون قادماً من الواقع ومرآة له ولو حدث غير ذلك غالباً ما يُقابل بالتجاهل من الجمهور أو الرفض لأنه لا يعبر عنهم، ولكن ما أراه هو عكس ذلك فتقبل المجتمع لما يراه على التلفاز أو يسمعه من أغاني ، أو حتى ترديده والاقتناع به أصبح على نطاق واسع دون الشعور بخطورة ما ننطق، مثلاً أغنية لـ"تميم يونس" تسمى "سالمونيلا" حققت ملايين المشاهدات قبل حذفها من "تميم" بعد هجوم بعض جمعيات حقوق المرأة ضده، كلمات مليئة بوصف المرأة بصفات تجعلها في منزلة أقل من الإنسان الطبيعي وقد بدا الأمر لي حتى لو كان على سبيل المزاح هو انتهاك واضح للمرأة وحقوقها وتنميطها بصفتها خاضعة للذكورية المجتمعية ، وأيضاً أغنية "سي السيد" للمغني "تامر حسني" والتي حظيت بنجاح كبير بين جمهوره الشباب بكلماتها الآتية "أنا إلى أقول تعملى إيه، أنا إلى أقوله تمشى عليه" كلها مصطلحات تُرسِخ بداخل الجمهور شكل المرأة في نظرة من يراهم الشباب مثل أعلى أو قدوة في كثير من الأحيان، الأفلام تتعمد في إظهار المرأة بنمط معين فإذا كانت متزوجة غالباً ما توصف "بالنكدية" وزوجها هو من يتحملها طوال الوقت، أو على العكس ويكون زوجها هو من يضربها طوال الوقت وعليها أن تتحمل، وإذا كانت تعمل في شركة فهي بالطبع لابد وأن تستدرج الرجال خاصة مديرها، وفي الحالتين يجب أن يكون جسد جميع الممثلات نحيلات، وكأنه الشكل الطبيعي للمرأة ولا يوجد تفاوت في أوزانهن أو حتى أشكالهن مما يكون شكلاً جمالياً في نظر المتلقي مبني على صفات معينة لا يجوز تغييرها، لم يتوقف الأمر على جسد المرأة فقط وإنما أيضاً تم تكريس شكل الرجل القائم على العضلات وحتى طريقة تعامله مع المرأة المبنية على الإهانة والاستحقار، فمثلاً تعرضت الممثلة "رحاب الجمل" للضرب من "محمد رمضان" في مسلسل "البرنس" بشكل مفجع بدون سبب قوي في أحداث المسلسل للتعرض للضرب، وحتى إن وجد لا يتم تصويره بهذه الطريقة.
هل نعلم أطفالنا التنميط دون أن نشعر؟
من منكن لم يحلم في يوم بالفارس القادم بحصانه الأبيض وأنتِ في الشرفة بانتظارِه لينتشِلك لعالم آخر تعيشان فيه؟ كنا أطفالا على هذه الأحلام الخيالية ونتعامل معها بسطحية كبيرة دون أن نعرف تأثيرها علينا، حتى الأهل كانوا يستعينون بهذه القصص لتُسلينا قبل نومنا بدون أدنى خوف من العواقب، ولكن كان لديزني الجانب الأكبر لتصدير هذه الأفكار لنا عن طريق الأميرات الكسولات وهن ينتظرن بطلهن لإنقاذهِن ولا يوجد لديهن أي فاعلية لإيجاد حلول أو حتى التحرك في أي اتجاه مثل "سندريلا" الأميرة الخاضعة دائماً، لم تستطع يوماً أن تقول لا في وجه أي شخص وكأن حكم عليها "بتنفيذ الأوامر". دائماً ما كنت أتساءل لماذا سينتهي السحر في الساعة الثانية عشر؟ ماذا لو أكملت الأميرة الحفلة؟ هل كانت ستوافق على كل ما يقال لها؟
كنت دائماً أحظى بمسدسات وبنادق وأنا صغير، أعتقد كانوا ينتظرون مني أن أحرر فلسطين أو كانوا يُعِدونني مسبقاً لأُصبح رجلا خشناً، وفي الجانب الآخر كانوا يعطون البنات أميرة من أميرات ديزني وأشهرهن "باربي" ، حتى هذه العروسة البلاستيكية كانت تُنتج على شكل واحد فقط وهي الفتاة الشقراء صاحبة الوجه الرقيق والتفاصيل الصغيرة والشعر الأشقر وكأنه نموذج لشكل البنت التي يجب أن تولد عليه قبل أن يتداركوا هذا مؤخراً وصنعوا أكثر من شكل لباربي، ولكن كلهن نحيفات!
إلى متى تحاصرنا الذكورية ؟
مصطلح "الرجل" لم أفهمه يوماً من مجتمعنا دائماً يكون الوصف أن يكون خشناً في تعامله أو أنه لا يبكي ويستطيع حل جميع المواقف، فلا مانع أن يكون هذه رؤيتنا وأن نصنع منتجاً تحت شعار "استرجل" بعكس "الأنوثة" والتي تعني في مجتمعنا "الخاضعة" فيجب على المرأة أن تكون أنثى رقيقة لا تخالف المجتمع الذكوري، كل امرأة مرت بموقف أن أباها أو أمها تنصحها أنها أصبحت "بنت" ويجب عليها توخي الحذر دائماً والخضوع لفكرة النمطية، فإذا تأخرت ليلاً يمكن أن يغضب "حارس العمارة" ويطلق عليها أحكاما ، كلها محاولات لصنع قوالب لكل منا.. نعيش بها في نظر من أمامنا، يصنفِنُا بمجرد رؤية ملابسنا أو معرفة اِسمنا، العقل البشري دائماً ما يسعى إلى المألوف فمثلاً تستطيع أدمغتنا التعرف على الوجه البشري سريعاً حتى إذا كان غير موجود تصنعه هي بمُخيلاتها ، كنَظرِنا للسحاب وتكوين أشكالاً منه، ولكن هي أيضاً تُصنفهم بسهولة أيضاً لتستطيع التعرف عليهم.
تعليقات
إرسال تعليق